لعل الكثير منا قد سمع بهذا الحصن الذي ينتصب شامخا على قمة جبل فوق ساحل البحر العربي بالقرب من ميناء "قنا"أشهر ميناء في جنوب الجزيرة العربيةوهو ميناءحضرموت القديم الذي أشتهر في كتب التاريخ في العالم .
يقول الدكتور جواد علي المؤرخ العربي العراقي المشهور في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام 3/ 160:
(وميناء "Cana" "قنا"، هو موضع "حصن غراب" "حصن الغراب". وهو سوق اللبان الذي يزرع داخل البلاد، يؤتى به إلى ذلك الميناء على ظهور الجمال، أو في الأرماث المصنوعة من الجلد، وفي القوارب. وهو ميناء تجارة كذلك مع مدن الساحل البعيد، مع بعض مدن الهند، وميناء "عمانه" "Umana" "عمان" والموانئ التي على الخليج. وتقع "قنا" على مرتفع، قريب من "ميفع"5، و"ميفع"، قرية على الساحل، و"ميفعة"، بلدة بين "ميفع" و"أحور"، إلا أنها ليست على الساحل، بل بينهما مرحلة ).
قلت :وهو ينقل عن مصادر غربية باللغة الإنجليزية
موقع حصن الغراب وتاريخ إكتشافه :
تتكون قنا من الميناء، والحصن المقام على قمة الجبل الواقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الميناء , والذي يرجع اكتشافه إلي صباح يوم (16/5/ 1834 م )، عندما ألقى بحارة السفينة الإنجليزية ( بالينورس ) المرساة في ممر ضيق قصير مغلق من أحد جانبيه بجزيرة منخفضة ومن الجانب الآخر بصخرة قائمة وعرة عليها بقايا حصن قديم ، وقال لهم البحار العربي المرافق لهم ، إن هـذا المكان هو ( حصن الغراب ) ، وكان البحارة الإنجليز ثلاثـة هم ( ولستد و هاملتن و كروتندن ) ، قد أوكل إليهم مهمة استكشاف الساحل الجنوبي للجزيرة العربية ، ولكن البحارة شاهدوا على قمة حصن الغراب خـرائـب وأطلال وأبراج ومنازل كثيرة ، وانتشار آثار عديدة على المنحدر ، فقد كان معظم الخرائب مبنياً من أحجار الصخور الجبلية نفسها وقضضت بملاط مصنوع من الصدف المتحجر ، وفي الطريق الصاعد إلى قمة جبل حصن الغراب عُثر فيه على كتابة أثرية 0
وجـدوا عـلى القمـة صهريجاً (كريف) للماء وبقايا تحصينات ، منها أبراج ضخمة مربعة الشكل تتجه للبحر ، ومن ذلك تبين لأولئك البحارة أنه عبارة عن حصن يحمي الميناء من جهة البحر، وقـد نـسـخ ( ولستد) تلك الكتابـات التي وجدها هو (وهنيس) في الطريق الصاعد إلى قمة حصن الغراب وهما النقشين الموسومان بـ (CIH.728 , CIH. 621 ) وقد أشتهر النقش الموسوم بـ ( CIH. 621 ) بين علماء الآثار والنقوش القديمة باسم نقش حصن الغراب ، وهـو مـن أهـم النقوش التي نشراها ،كونه يؤرخ لأهـم فـتـرة مـن فترات التاريخ اليمني قـبـل الإسـلام ، إذ أنه مؤرخ في العام ( 640 من التاريخ الحميري ) الذي يقابل سنة ( 525 ميلادية ) 0 (أنظر كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي 3/160 )
نقش حصن الغراب :
نقل لنا الأستاذ كرامة مبارك سليمان بامؤمن في كتابه الشهير (الفكر والمجتمع في حضرموت الطبعة الثالثة ص87) كلاما مفيدا خلاصته أن ساكني هذه المنطقة الساحلية من ساحل الشحر حتى ميفع حجر وبئر علي وبلحاف وعين بامعبد -جنوب محافظة شبوة حاليا- قد كانت مساكن قوم عاد الثانية بعد هلاك عاد الاولى في الصحراء ونقل ترجمة للنقش الذي وجد في الحصن مفاده أن اثر التوحيد والإيمان بالله وباليوم الآخر وأتباع شريعة النبي هود عليه السلام واضح في نص هذا النقش الذي كتب بلغة أهل حضرموت الجنوبية القديمة والخط المسند الحميري0
ماهو سبب بناء هذا الحصن:
وأما سبب بناء هذا الحصن والتحصينات من قبل الحضارمة في هذا المكان في تاريخ المملكة الحضرمية القديمة يقول الدكتور جواد علي : (و"حصن غراب"، وقد بني على، مرتفع من صخر أسود على لابة بركان قديم، يشرف على المدخل الجنوبي الغربي لخليج أقيم عليه الميناء، فيحميه من لصوص البحر ومن الطامعين فيه.)
وقد لوحظ إهتمام الباحثين والسياح به فقد زاره بعض من السياح، مثل "ولستيد" فوصفه. وزاره B. Doe سنة "1957" وتحدث عنه0
وكان هذا المكان يعرف كما في كتابات سبئية قديمة أكتشفت بأسم "عرمويت" "عر ماوية" وموضع "جلع" في جملة ما بلغتها من أرضين. و"جلع" قرية على الساحل شمال غربي "بلحاف" في الزمن الحاضر.
وقد وجد "ولستيد" Wellsted في "حصن غراب" الكتابة التي وسمت بـCIH 728 وقد جاء فيها أن "رصيد أبرد بن مشن" "مشان"، كان مسئولًا عن "بدش" "باداش"، وعن "قنا"، وقد كتب ذلك على "عر مويت" "عر ماوية"، أي حصن "ماوية"، "قنا"0
وهو اسم الميناء الشهير، وأما الحصن الباقي أثره حتى اليوم، فيسمى "حصن ماوية" وأما "باداش"، فإنه ما زال معروفًا حتى اليوم، ولكن بشيء من التحريف.
{أي باداس }
وفي هذا المكان يعيش قوم رعاة يعرفون بـ "مشايخ باداس"
ويضيف الدتور جواد علي في المفصل السالف الذكر :(000 وقد جاء هذا الاسم من "باداش القديم"، وهكذا حصلنا من النص المذكور على اسم ميناء حضرموت الذي كانت الموارد "الكلاسيكية" هي أول من وافتنا به.)أنتهى
وفي مقال عن للدكتور عبد الله بن إسحاق عن حضرموت قبل الإسلام ودورها الحضاري والإنساني وإسهاماتها الأمر الذي جعلها محط أنظار الباحثين منذ زمان ماضي وحتى اليوم لما تختزنه أرضها من كنوز عظيمة وشعبها وتجدد طاقته عبر الأزمنة والعصور قال الدكتور بن إسحاق : (فحضرموت محط أنظار الباحثين والرواد يقصدونها من أرجاء الأرض لدراسة تاريخها وحضارتها التي لم تصارع في ماديتها أو في مضامينها الإنسانية والفكرية حضارة غيرها من أقطار العالم القديم .)
ويشير أيضا إلى أبرز من ذكر الحضارمة وحضارتهم من هولاء الكتاب الذين عاشوا في العصور أبان عصر الرومان واليونان في أوربا وانهم أكثر ماذكروا في كتبهم وخرائطهم القديمة الحضارمة وبلاد حضرموت وقال : ( إن أكثر كتاب اليونان ذكرا للبلاد العربية أمثال (سترابون-بلينيوس-وبطليموس)فلقد ذكروا الحضرميون بلغتهم(chatramotitae)وإنهم كانوا أكثر تفوقا من أوربا علميا وثقافيا وصناعيا وزراعيا وعسكريا. )
ثم أضاف إيضا إلى الأدلة العلمية التاريخية المكتشفة عن قدم المنطقة وحضارتها بالنسبة للعالم وقال ( ولقد أثبتت الحفريات الأثرية إن الإنسان القديم قد استوطن هذا الجزء من العالم وتم العثور على أدوات حجرية كان يستخدمها الإنسان البدائي في حياته وذلك في مناطق مثل القزة بوادي دوعن وأربعه وديان نهرية واسعة وهي وادي دهر ووادي رخية ووادي الكسر ووادي العين . )
واشار أيضا إلى ميناء قنا وهو الشاهد على الأهمية التي يحظى بها في التاريخ القديم وقال:( كما أظهرت الحفريات ركام معبد آلهة القمر (سين)على مساحة 8في 10متر،إلى جانب مدينة قنا وميناءها الرئيسي لجنوب الجزيرة العربية والذي يعود تاريخ بناء الميناء الواقع في الجانب الغربي للمدينة إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد. )
كما تناولها ابن خلدون والأصفهاني وابن كثير وابن الأثير والمسعودي وكثيرا من المؤرخين العرب.ونورد هنا ماأوردة ابن خلدون:(أنة كان في حضرموت ملوك يقارب ملوك التبابعه في علو الصيت).وقال المستشرق المستر وندل فلبس:(قامت اقتصاديات أربع من الممالك الهامة في جنوب الجزيرة العربية ،فقد كانت القوافل تنساب من غابة البخور في حضرموت متجهة نحو الشمال على طول الجزيرة ثم تعود محملة بالذهب والفضة.
نقلا عن سقيفة الشبامي
0 التعليقات:
إرسال تعليق